د.محمد احمد جميعان
قيل ان اعرابيا نُهب جمله بما حمل، ولم يترك له النهابون ( قطاع الطرق ) الا رسنه، لانهم لم يستطيعوا خلعه من الوتد، وعندما صحى الاعرابي من نومه ادرك انه نُهب ولم يبقى له الا الرسن، فقام على الفور وخلع الوتد ولف حوله الرسن، ولحق بالنهابين حتى ادركهم، صاح عليهم وانتفض وتابع مسيره مستحلفا اياهم ان يتوقفوا حتى يصلهم، الا انهم اسرعوا المسير وشدوا سيقانهم للريح كالعادة، وعجاج الصحراء خلفهم تلفح بالاعرابي.
فما كان من الاعرابي الا ان اعاد الصياح عليهم باعلى صوته ( من كحف راسه ) ليُفهمهم هذه المرة بالفصيح من القول انه لا يريد الجمل ولا بما حمل، فقد عافت نفسه، بل يريد ان يوصل لهم الوتد والرسن ليربطوا به الجمل حتى لا يفلت منهم ويبقى تائها دون صاحب، فلا اللصوص استفادوا ولا بقي حيا على ذكراه.
فطلبوا منه ان يرمي لهم الرسن ويعود، ففعل، وعاد الاعرابي الى مكانه حزينا على وطنه- لان الجمل وما عليه هو حله وترحاله وزاده وهو وطن الاعرابي كيفما توجه- فمر عليه قوم واستغربوا حاله كيف لاعرابي في هذه البراري والصحراء المقفرة دون راحلة وزاد وماء، فسألوه ما حالك وما جرى لك؟!
رد عليهم الاعرابي سرقوا وطني كله فالحقتهم الرسن والوتد حتى يكون امانة بين ايديهم ولا يفلت منهم ، فقد عافت الخاطر، وفي النفس غصة، وما الرسن الا ذكرى الاسية ، فليذهبوا بكل شيء ولكن الحق سيعود ولو بعد اربعين عاما..
الحق ابلج، وصاحب الحق اقوى ولو صمت، والنفس تعاف من قلة الحيلة، ويبدوا عليها رضا المقهور الذي ينتظر الفرج، وفطنة وشجاعة وحكمة الاعرابي انه لم يلحق بهم ليحاورهم، ولم تُطاوعه نفسه ان يساومهم، بل ولم يقبل ان يحتفظ بالفضلة والقليل لانها نقيصة، فالحقهم ما تبقى بشجاعة وهو يدرك ان لا حيلة له بهم، حتى يُبقي نفسه مشتعلة وثابة في سبيل حقه واسترجاعه.
عندما تعاف النفس تزهد، ونفس الحر تعاف وترفض الضيم، وقد يكون العوف من قلة الحيلة، فيلجأ الانسان الى حالة يمتزج فيها الحقد والاحتقان والغليان الذي ينتظر الانفجار..
وهذا ما كان يظهر للانظمة بانه الصمت، وفُسر لهم بانه الرضا والاذعان للامر الواقع، انما كان عوف المحتقن بانتظار الانفجار..
ت/ 0795849459
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق